صناعة السفن
البحر بامتداده الشاسع وحدوده المترامية، كان دائماً التحدي لأبناء الخليج على ارتياد المجهول والكشف عن آفاق جديدة وعن طريق البحر التقى إنسان الخليج بالحضارات يطلع عليها وينقل منها ما يناسب بيئته.
نشأت صناعة السفن في الإمارات منذ زمن طويل جداً وبدءاً من سفينة »الشاشة« الصغيرة والتي تصنع من اغصان شجرة النخيل وتربط بالحبال وانتهاء بالسفن الشراعية الكبيرة التي كانت تجوب المحيطات والبحار ببحارتها البواسل، كانت صناعة السفن تنمو بشكل متسارع حتى ذاع صيت صناعها في منطقة الخليج كافة.
في القديم كانت اخشاب الساج والتي تعد أفضل أنواع الخشب لصناعة السفن تجلب من افريقيا بواسطة تجار متخصصين وتنقع قطع الساج الكبيرة في مياه البحر ثم تجفف وتعد للقطع بواسطة منشار تقليدي يعمل عليه اثنان من العمال.
البوم« و»الشوعي« و»البقارة« و»الشاحوف« و»السمبوق« كلها اسماء لسفن خشبية تختلف في احجامها واشكالها.. وكان الصناع المهرة يتفننون في بناء السفن السريعة ويتسابقون إلى ذلك باسرارهم التي خبروها في نشر الاخشاب وصفها بطرق دقيقة، فـــ »البيص« والذي هو العمود الفقري السفلي للسفينة قد ينشر بطرق مختلفة لكن الصانع الماهر هو الذي يقرر بطريقته ان »بيص« سفينته سيكون مناسباً لسرعتها باضافات فنية بسيطة، و»الميل« وهو الخشبة المنحنية إلى اعلى في مقدمة السفينة سوف تحدد مدى قدرتها على تحمل ضربات الموج.
اطلق الصناع الاماراتيون على جزء صغير وكبير في جسد السفينة اسماء خاصة بها.. وهكذا تسمع باسماء مثل »البومية«، »الشخاصة«، »فنة الصدر«، »فنة التفر«، »الدقل«، »الغماره«، »السكان«، »الشلامين«، »التريج« وغيرها من اسماء مقاطع والواح هامة في جسد السفينة.
وأهم المواد اللازمة للصناعة خشب «الساج» الهندي الذي قل أن يوجد خشب يفوقه مزايا لصناعة السفن، فهو يستعمل كألواح لهيكل السفينة لما يتحلى به من مقاومة للماء، وكأضلاع داخل هيكل السفينة، وأما عن مقاومته لكافة الظروف الجوية فلا يحتاج إلى مزيد من الإطراء، كذلك يوجد خشب «اللوريل» الهندي وهو ما يعرف محلياً «بالجنقلي» وهو يستخدم كقاعدة للسفينة، هذا بالإضافة إلى العديد من أنواع الخشب والمواد التي كانت الهند توفرها بسهولة لجميع الموانئ المهتمة بصناعة السفن في الخليج وشبه الجزيرة العربية.
أما المواد الحديدية اللازمة للصناعة كالمسامير وغيرها فقد كانت تصنع يدوياً ولعل ما يثير الدهشة هو كيفية الحصول على الصواري الضخمة والتي عبارة عن جذوع شجرة مستقيمة قد يبلغ طول بعضها 90 قدماً وقطر قاعدته خمسة أقدام، ولكن غابات الهند كانت تحتوي على مثل هذه الأشجار، وكان النواخذة والتجار من الإمارات يذهبون بأنفسهم إلى الهند لاختيار مثل هذه الصواري التي تعد من أهم القطع على ظهر أية سفينة شراعية.
كونت مهنة صناعة السفن ثقافتها الخاصة من خلال الفترة الزمنية التي يتطلبها النحت في الاخشاب وتهيئتها حسب الشكل المطلوب فكان الصانع يردد الامثال والابيات الشعرية والاهازيج اثناء عمله، وكونت تلك الثقافة المرتبطة بالمهنة سلوكيات معينة، فيكفي ان يقول فلان اريد بناء سفينة فيقول له »الاستاذ« ثم دون أوراق أو عقود، يدفع له جزءاً، من المال والباقي يحدد حسب مراحل البناء[/size]